القبـح أنـواع

القبـح أنـواع

  يبدو لنا أن ليلى وعزة وبثينة وأضرابهما من معشوقات العرب لم يكن سوى وهم لظبيات منطلقات فى بيادى العرب, هن تربين على لبن النوق فى مراتع الرعى وبين صهيل الخيول وعواء الذئاب وصليل السيوف... والترحال خلف الماء والكلأ.. فهل تنجب مثل هذة البيئة حوريات.. يرفلن فى الديباج.. يهفهف عطرهن لأسر الرجال؟! ربما كان هذا خيالنا الشاطح تجاه جداتنا, او هو إحساسنا بالفوقية بالنسبة إليهم.. ولكن ما القول ونحن نتسلم من أجدادنا فيضاً فى هجو النساء, ينطلق أول ما ينطلق من أشكالهن.. وهم أصحاب المشاهدة والمعايشة والخبرة فى نسائهن.. ربما تقف تلك الصورة السوداء من هجو الأزواج لهن.. حجر عثرة أمام قصائد الغزل والمديح فيهن قبل الزواج, أو فيهن من غير أزواجهن.. مما يحعلنا نتساءل أحقا أثرت البيئة فيهن وصاغتهن مسخاً شائهاً.. أم أنها دوافع نفسية لهذا الصراع السرمدى بين الزوجين؟
لقد استفاض العرب – الشعراء منهم – فى تقبيح الزوجات وأكثر مظاهر القبح فى تصوراتهم هو الشكل. ولسنا نستعرض الآن حيثيات هذا القبح, إنما ندعه يترى عبر أبياتهم, وهذا لايعنى أنه لم يكن هناك أشكال أخرى من القبح فى الزوجات قد تعرض لها أجدادنا الشعراء, فهناك قبح النفس والعقل, وأشكال من عدم التناسب, أو الصور (الكاركاتيرية ) التى رسمها الشاعر للمهجوة, بل هم أيضا لم يتورعوا عن طعن الزوجات وفضحهن فى أخص الخصوصيات؛ ما لايطلع عليه إلا الزوج من زوجته, كما رأينا قبحاً آخر أو هم رأوه يتمثل فى المرأة العاقر, وأطرف ما ينسب للزوجة أنها تمارس دور عزرائيل ضد زوجها, فإذا شاء القدر أن تزوجت مرة واثنتين أو ثلاثاً ومات الازواج, أضحت فى عرف هؤلاء الشعراء مقبرة للازواج وشؤماً مقيماً لهم.
ماذا إذاً عن هجاء الشكل هذا؟!
يقول الشاعر فى وصف امرأته اللثغاء:
(أول ما أسمع منها فى السحر     تذكيرها الأنثى وتأنيث الذكر
            والسوأة السوآء فى ذكر القمر)(49)
الرجل أدرك فجأة أن امرأته لثغاء, وكأنه لم يسمع منها ولم تصك ألفاظها أذنيه إلا بعد الزواج على الرغم أنه أكل وشرب وسمع وتحدث وربما سامرها قبل أن يتزوجها طبقا لما هو معروف فى البيئة العربية, أما المفاجأة الأسوأ من اللثغة فهى ما تعرض له دريد بن الصِّمَّة فى امرأة تزوجها ( فوجدها ثيِّباً وقد أخبروه قبلاً أنها بكر, فحمل السيف وانطلق إليها فمنعته عنها أمُّها فجرح يد الأم  ولم يقطعها وقال فى الأم :
(أقر العين أن عصـَبَتْ يديـها    وما إن تُعْصَبَانِ على خِضابِ
فَأَبـْقَاهـُنَّ أنَّ لَهُنُّ جَســــَداً     وواقيـةً كواقيـةِ الكـلابِ )(50)

ثم أنها ليست صادمة له فى عذريتها فقط بل فى شكلها أيضاً وإن كان الشكل مطروحاً أمامه من قبل لكن عين البغض " تبدى المساويا".. إذ قال فيها أيضاً :
(أَشْبَهَكِ المِسكُ أَوْ أَشْبَهـْتِهِ          قَائمةً فى لونه قَاعِـدة
لاشـكَّ إذ لَوْنـكما واحـد        أنكما من طينةٍ واحدة )(51)

وإذا كان التعارف الزوجى بين دُريد وامرأته الساخط عليها محدود الزمن فكان رد الفعل عنيفاً فإن علاقة ممتدة قد تحدث بين الزوجين, وعلى الرغم من ذلك لا تشوبها إلا الضغائن فما الذى يبقى هذه العلاقة قائمة.. ربما كان الأبناء.. فالابن لدى اسماعيل بن عمار هو الذى دفعه لاحتمال امرأة لا مثيل لقبح شكلها بل ومسلكها كذلك إلى حد أنه يقول فيها :
(بُليـتُ بِزَمُرَّدَةٍ كالعَصـَا        ألَصـَّ وأَخْبـَثَ من كُنـْدُشِ
تُحِـبُ النساءَ وتأبى الرجال    وتمشى مع الأسـْفَهِ الأَطْيـَشِ
لها وجـهُ قِردٍ إذا ازَّيّـَنَتْ      ولونٌ كبـَيْضِ القَـطَا الأبْرَشِ
ومن فـوقـه لِمّـَةٌ جَثـْلَةٌ        كمثل الخـوافى من المـَرْعَشِ
وبطـنٌ خواصِرُه كالوِطـا      ب زادَ على كَرَشِ الأَكـرشِ
وإن نَكَهتْ كِـدْتُ من نَتْنِها          أخرُّ على جانِـبِ المَفـْرَشِ
وثدىٌ تـدلَّى عـلى بطـنها      كـقِرْبةِ ذى الثّـَلَّةِ المُعـْطِشِ
وفخـذان بيـنهما بَسْــطَةٌ       إذا ما مشـتْ مِشـيْةَ المَنْتـَشِ
ولمَّا رأيـتُ خَـوَا أنـفـها       وفيـها وإصـلالَ ما تحـتشِى
إلى ضامرٍ مثل ظِلْفِ الغزال   أشَّـد اصفراراً من المِشمـشِ
فرَرتُ من البَـيتِ من أجلها         فـِرارَ الهَجـينِ من الأَعمـشِ
وأبـرَدُ مـن ثَلْج سَاتِيـدَ ما               إذا راح كالعُـطُب المُنــَّفَشِ
وأرْسـحُ من ضَـفْدَعٍ عَـثَّةٍ     تـَنِقُّ على الشَّـطِ من مَرْعَشِ
وأوسَعُ من باب جِسْرِ الأَميرِ  تُـُمِرُّ المَحَـامِـلَ لم تَحْـدِشِ
فهذى صفـاتِى فلا تـَأُتِـها              فقد قلتُ طَرْداً لها كَشْكِشِى )(52)

وفى تصورنا أن هذه القصيدة تعد من عيون البذاءة الشعرية العظيمة إذا صح لنا أن نصف البذاءة بالعظمة, إنها بذاءة بنائه, بذاءة فنية وقد تجسد مقُولاتٍ حديثة.. بأن فى كل قبح جمالاً ما وأننا يمكن أن نصنع من القبح جمالاً, فهذا الكائن البشرى المهجو توقف الشعر عند شكله مَعْلَماً مَعْلَماً حتى تقززنا من كل عضو على حدة, وتقززنا من الكومة البشرية مجتمعة, ومع تعويله على الشكل فى القصيدة كلها لم ينس أن يتعرض لقبح نفسها أو لانحرافها عندما قال:  " تحب النساء وتأبى الرجال" فهى شاذة المسلك, ثم يعرض لنا وجهها " وجه القرد" وشعرها وبطنها ورائحة فمها وساقيها وأنفها  وأضراسهاوكل جزء فيها حتى ما لايذكر.
وعلى الرغم من ورود هذه القصيدة بترتيب ابياتها هذه فى أكثر من مصدر كالأغانى وذم النساء فإن قلقاَ ما فى ترتيب الأبيات نلمحه خاصة فى ترتيب الأبيات الاربعة الأخيرة والتى نظن أن مكانها الطبيعى يأتى بعد البيت: (وفى كل ضرس لها أكلةٌ...)
ونظن أن الختام المنطقى لهذه العلاقة بين الشاعر النافر من زوجه وهذه الزوج التى تعد مخزناً للقبح هو قول الشاعر:
 (فررت من البيت من أجلها       فرار الهجين من الأعمش )

أما الفرزدق فقد وجه طعنته إلى زوجه نوار مباشرة حينما فضل عليها أعرابية تقيم فى خباء وهى المرأة الحضرية المنعمة.. قال لها:

(لعمرى لأعرابيَّة فى مِظَلَّةٍ      تطلُّ بأعلى بيتها الريحُ تخفِقُ
كأمِّ غَزالٍ أو كدرةِ غائصٍ       إذا ما بدتْ مثل الغمامةِ تشرِقُ
أحبُّ إلينا من ضناكِ ضِفِنَّةٍ       إذا رُفعتْ عنها المراوح تعرَقُ)(53)

هجو الشكل فى هذه الأبيات ذو شقين.. الأول يحمل معنى مرناً مفتوحاً للتأويلات وهو تفضيل الأعرابية على هذه الزوجة.. الأعرابية بجفافها وربما جلافتها وبساطتها وكل ما نتخيله عنها من سلوك النشأة.. أحب إلى الشاعر من هذه الزوجة, وعلينا نحن أن نرسم ملامح قبح نوار التى نَفَّرتْ منها الفرزدق.
أما الشق الثانى لهذا الهجو الشكلى فهو المتمثل فى البيت الأخير أو جزء منه.. فالزوجة ( إذا رفعت عنها المراوح تعرق ) أنها سمينة فتغرق فى عرقها والشاعر هنا من طرف خفى وربما بدافع لا شعورى يبالغ فى إهمال قدر زوجته إلى حد أنه يفرد لها عدة كلمات فقط فى هذه الأبيات وتستأثر الأعرابية بجُل مقولته.
ولا مراء فى أن أكثر ما يستوقف الهجَّاء العربى شكل من يهجوه فغلب الهجاء الحسى على أنماط الهجاء الأخرى لكن هذه الأنماط لم تغبْ تماما ً, فقد جاء من قبيل قبح النفس والعقل طبقا لمفاهيم الشعراء قول الصمة القشيرى فى زوجته التى هجرها لدى قومه والتى تسمى جّبْرة بنت وحشى بن الطفيل بن قرة بن هبيرة :

(كُلِى التَّمرَ حتى تَهْرمَ النخلُ واضفِرِى
                خِطامَك ما تدرِين ما اليوم من أمس)(54)

أنها مختلة العقل غير مدركة, تداخلت لديها الايام والاحداث, فيها شىء من الخلط. وفى زوجة الحطيئة شىء من الاعوجاج واللكع
(أطوِّف ما أُطوف ثم آوى إلى بيتٍ قعيدتُه لَكَاع)(55)

هى قابعة له كملك الموت فى القبر مستقبلا ً بشرا ً شريرا ً ولكاعُ هذه تحمل معانى اللؤم والضعة والنكد وكل ما يفيد عدم استواء النفس البشرية وهو نموذج شائع فى الزوجة العربية قديما وحديثا وما الشعراء إلا ممثلى الرجل العربى أمام هؤلاء الزوجات, أما الأمر غير العادى هو هذا التهذب من أبذأ شاعر على الأرض: الحطيئة, الذى لم يهجو زوجته فقط بل هجا أمه ونفسه وطوب الأرض.. لم يتهمها هنا إلا بأنها لكاع وهى مفردة تحمل شحنات كثيرة وكان يمكن أن تكون كافية من غير الحطيئة أما منه فهى نقطة من بحر لُجى. فإذا كانت زوجة الحطيئة بهذا الخلل النفسى فزوجة دُريد بن الصمة ( أم مَعبِد) أشد خللا ً نفسا ً وعقلا ً هى تسير ضد الطبيعة البشرية  وتأنف من زوجها أن يحب أخاه وأن يرثيه. فترد عليه بأن تسب هذا الأخ وها هو ذا دُريد يقول فيها:

(أَعَبْدَ اللهِ إن سَبَّتْكَ عِرْسى              تَقَدَّمَ بعضُ لَحمى قبلَ بَعْضىِ
إذا عِرْسُ امرؤٍ شَتَمَتْ أَخَاه   فليس فؤادُ شائِنِه بحِمَضِ
معاذَ اللهِ أن يَشْتُمنْ رَهْطى    وأَن يَملُكْنَ إبْرامى ونَقْضِى)(56)

ورغم لؤم موقف أم معبد فإن دُريدبي الصمة كان أعلى نفسا ً ومال إلى الاعتذار لأخيه أكثر من هجو زوجته وهذا دأبه حين قال أيضا ً:
(أَرَثَّ جديدُ الحبل من أُم مِعبد بعاقبةٍ وأخْلَفَتْ كلَّ مَوعِدِ
وبانتْ ولم أَحْمَدْ إليك جِوارَها       ولم تَرْجُ مِنِّا رِدَّةَ اليوم أوغَدِ)(57)

فهذا أميل إلى العدل منه إلى الهجو.

                   
ومن أنماط القبح التى استوقفت الشاعر فى امرأته ما يمكن أن نسميه عدم التناسب فى أجزائها فرسم لها صورة ( كاريكاتيرية ) ساخرة ومُرَّة فى الوقت نفسه.. أنظر قول هذا الأعرابى فى امرأة تزوجها:

(ولا تستطيع التكحل من ضيق عينها
                        فإن عالجته صار فوق المحاجرِ
وفى حاجبيها حَزةٌ كغرارة
                        فإن حُلقا كانا ثلاث غرائرِ
وثديان أما واحدٌ فهو مِزْوَد ٌ
                        وآخر فيه قِربة ٌ للمسافِرِ)(58)
  واستكمل هذه الصورة الفظيعة لكيان بشرى شائه, غير متناسق ولا متناسب الاجزاء حين قال:
(لها جسم برغوث وساقا بعوضة     ووجه كوجه القرد بل هو أقبحُ
وتبرقُ عيناها إذا ما رأيتها             وتعبس فى وجه الضجيج وتكلِحُ
لها مضحكٌ كالحِّش....أنها             إذا ضحكت فى أوجه القوم تَسْلَحُ
وتفتح – لاكانت – فما لو رأيته      توهمته بابا ً من النار يُفتحُ
إذا عاينَ الشيطان صورة وجهها   تعوز منها حين يُمسى ويَصبحُ)(59)

يفصل الشاعر صورا ً متداخلة ومتواترة لا تخطر على ذهن أحد فالجسم برغوث والساق بعوضة والوجه قرد وهذا كله فى بيت واحد ثم يجمل فى النهاية وكأنه لم يشبع رغبتهفى الانتقام منها وكأنه كذلك يبدى اعترافا ً بعجزه عن سرد كل شائه فيها فإذا هو يقول: إن الشيطان نفسه أكثر خلق الله قبحا ً, بالنسبة إليها ملاك جميل, إلى درجة أنه يتعوز من وجهها إذا رآها صبحا ً أو مساءً.
وهذه الأبيات وما سبقها أوردها كتاب " ذم النساء " منسوبة لأعرابى, لكن "موسوعة الشعر العربى" نسبتها إلى جران العود, واتفق فى نسبتها لأعرابى إبن عبد ربه فى " العقد الفريد "(60)
                    ********

ومن قبيل القبح المزدوج أى قبح المهجو وقبح المهجو به أى بذاءة القول التى قد تنفر المتلقى من الشاعر نفسه لا من الزوج ما قاله سليمان بن يحيى بن زيد بن معبد الشهير بابن أبى الزوائد وقد فضح ؛ حقا ً أو باطلا ً, علاقته الحميمة بها والزوج مطالب بستر الزوجة لا بفضحها فى أخص خصوصيات الارتباط الانسانى والذى يعد قدس الاقداس لدى الزوجين, ابن أبى الزوائد هذا قال فى زوجته رملة الأنصارية:
(يارَمْلُ أنت الغولُ بين رعال  لم تظفرى بتُقّـَّى ولا بجمالِ
يارملُ لو حدَّثتُ أنك سَلْعَعٌ          شوهاء كالسِّعْلاة بين سَعَالى
ما جاء يطلبك الرسول بخطبةٍ        منِّى ولا ضُمَّت عليك حِبالى
ولقد نهى عنكِ النَّصيح وقال لى:    لا تقرِنَنَّ بذيَّةَّ بعيالِ
لما هَززتُ مهنَّدى وقذفته            فيها وقد أرهقته بِصِقَالِ
رجع المهنَّدُ ما له من حِيلةٍ   وهناك تصعب حيلة المحتالِ
وكأنما أولجتُه فى قُلةٍ          قد بُرِّدتْ للصومِ أو بُوقالِ
ورأيت وجها ً كاسفا ً متغيرا  وحِرا ً أشق كمِرْكنِ الغسَّال
ما كان أيرُ الفيل بالغ قعره    بتحامُلٍ عنه ولا إدخالِ
وقد طعنت مَبَالها بسُلامِها             فوجدت أخبث مَسْلَحٍ ومَبَالِ)(61)

وهذه البذاءة فى التعبير والمفردات يمكن أن تتوازى معها بذاءة أو قذارة فى الموقف, فقد ( تزوج أعرابى امرأة, فلما دخل بها عابثها فضرطت, فخرجت غضبى إلى أهلها, وقالت: لا أرجع حتى يفعل مثل ما فعلت فقال لها: عودى لأفعل. فعادت ففعل, فبينما هو يداعبها إذ حَبَقَتْ مرة أخرى, فقال الأعرابى:
طالبتنى دينا فلم أقضكِ        والله حتى زِدْتِ فى قرضكِ
فلا تلومينى على مَطْلَةٍ        إن كان ذا دأَبك لم أقضكِ)(62)

القضية هنا.. لا قضية تلخص سذاجة العربى وسطحيته ؛ رجلا َ كان أم امرأة, فإذا كان من خيرٍ لهذه الواقعة فهى ما خلفته من شعر لو أنه اقتطع من سياقه لكان عذباً مستصاغاً.

ما سبق جميعاً من رؤية الرجل لزوجه يمكن أن نسميه قبحاً أى أن المرأة قبيحةً فعلا ً وهو يتفنن كمبدع فى إبراز هذا القبح بطرائقه, ولكننا الآن بصدد ما يمكن أن نسميه " تقبيح " والقبح غير " التقبيح "  يعنى إلباس الزوج ثوباً ظالماً وإلصاق تهمة بها هى منها براء, لكنها تبقى قبيحة فى نظر الشاعر بلا ذنب سوى أنها عاقر مثلا ً , وهى فى هذا قد تعاقب مرتين.. التقريع والإهانة بالهجاء ثم التطليق, وقد (طلق رجل امرأته وقال فيها:
تجهزى للطلاق وارتحلى            فذا دواء المجانِب الشَّرس
ما أنت بالحنَّة الولود ولا            عندك نفع يرجَّى لملتمسِ
لليلة حين بِنْتِ طالقة ً         ألَذ ُ عندى من ليلةَ العُرس
بتُّ لديها بشرِّ منزلةٍ          لا أنا فى لذة ولا أنسِ
تلك على الخسف لا نظير لها       وإننى لا يسوغ لى نفس)(63)

والحق أن العقم ليس وحده ما يراه الرجل قبحا َ فى زوجه, ظالما َ إياها.. بل قد ينسب لها نمطا َ غريبا َ آخر من السلوك لا يقوم به سوى عزرائيل وها هو ذا محمد بن أبى عيينة يقول: ( لسعيد بن عبَّاد بن حبيب الذى تزوج بنت سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب وقد تزوجها قبله اثنان فدفنتهما فبعث يقول له:
رأيتَ أثَاثَها فرغبْتَ فيه       وكمْ نصبتْ لغيرك بالأَثَاث
إلى دَارِ المَنُونِ فجهَّزَتْهم           تحثُّهم بأربعةٍ حِثاثِ
فصيّرْ أمْرَها بيَدىّ أبيها       أو سَرِّح مِنْ حِبَالِك بالثلاث
وإلاّ فالسلامُ عليكَ مِنِّى        سأبدأ مِنْ غدٍ لَكَ بالمراثِى)(64)

تتلقى المرأة التجريه والإدانة لأن أزواجها الثلاثة قد ماتوا عنها.. كان الأجدر باناس أن يلقوا عليها العزاء والمواساة لا التجريم والتجريح واللعنة.
                    ********
وربما اجتاز الشاعر الهجَّاء حدود هجوه وتفصيل المثالب فى الزوج إلى طرح الحل العملى أو الدرامى لهذه المرأة القبيحة.. الحل هنا يقدمه ( محمد بن كناسة فى زوجته وقد رأى رجلا ً مصلوبا ً على جذع شجرة:
أَيَا جَذْعَ مَصْلُوبٍ أَتَى دُونَ صَلْبِه     ثَلاَثُون حَوْلا ً كاملا ً هلْ تُبَادِلُ
فَما أنْتَ بِالحِمْلِ الذى قَدْ حَمَلْتَهُ        بأَضْجَرَ مِنِّى بِالّذِى أنا حَامِلُ(65)
هذه أمنية أخيرة من وراء البيتين بأن تصبح الزوج مصلوبا ً كما صلب هذا الرجل على جذع شجرة, فقد احتملها الزوج أكثر من احتمال هذا الجذع للجثة المصلوبة عليه.