افتراءات رجالية

افتراءات رجالية
  
  كيف يرى الرجل المرأة: الزوجة، ما الذى يبغيه منها، لا أظن واحدا من العالمين واصلا لإجابة ناجعة عن هذا التساؤل الحائر فالمرأة هى الشيطان يُستعاذ بالله منه :
(إن النساء شياطين خلقن لنا    أعوذ بالله من شر الشياطين)(35)
والمرأة فى الوقت نفسه نعمة الحياة الدنيا؛ تعطى ويفيض عطاؤها لمن يرغب، وكأنها زهرة فيحاء يمتعهم ريحها ورحيقها ولا ينفد :
( إن النساء رياحين خلقن لنا    وكلنا يشتهى شم الرياحين )(36)
و إذا كانت المرأة عطرا وريحانا، ونعمة فإنها قد تتحول إلى عطن وعفن وجحيم؛ إذا هى استعصت على الرجل ورفضت الزواج به فقد (خطب ابن عَبدل امرأة من همدان يُقال لها أم رياح، فلم تتزوجه، فقال: أما والله لأفضحنك ولأعيّرنَّكِ فقال :
فلا خير فى الفتيان بعد ابن عَبْدلٍ     ولا فى الزَّوَانى بعد أمِّ رِياحِ
فأيرى بحمد الله ماضٍ مجرِّبٌ          وأم رياحِ عُرضةُ لنكاحى )(37)
انها زانيةُ لمجرد امتناعهاعليه، فماذا لو أنها قبلت الزواج به؟!
لاشك فى أنها ستكون واقعة تحت طائلة افتراءاته، وبين مخالب ظلمه فى أحيان كثيرة، وسوف ينحط " ثمنها " إلى قلامة ظفرأو أدنى من هذا.. فقد (تزوج أعرابى امرأة فآذته، وافتدى منها بحمار وجبة، فقدم عليه ابن عم له من البادية، فسأله عنها، فقال :
خطبتُ إلى الشيطان للحين بنته     فأدخلتها من شقوتى فى حباليا
فأنقذنى منها حمارى وجُبتى        جَزى الله خيراً جبتى وحماريا)(38)
فليس أدنى من زوجة ولاأرخص من حمار وجبة ثمنا لها !! حتى لو حملت عيوب الدنيا كلها فإنها فوق الحمار وأرقى منه - وكأنى اسمع لسان حال الرجل- يقول:مع الأعتذار لكل الحمير !!
   وربما عاقب الرجل زوجته على غير ذنب منها، بل هو من يُسأل.. فتحديد جنس الطفل لا يعود للأم، إنه شأن الرجل.. وهذا ما أكده العلم حديثا، وأيقنت المرأة العربية قديما به..فقد (ذكرعند أعرابى الأولاد والأنتفاع بهم، فقال : زوجونى امرأة أُلدها ولدا أعلمه الفروسية حتى يحوىالرِّهان، والنزع عن القوس حتى يصيب الحَدق، ورواية الشعر حتى يُفحِم الفحول. فزوجوه امرأة فولدت له ابنةٌ فقال فيها:
قد كنت أرجو أن تكونى ذكرا         فشقك الرحمن شقا منكرا
شقَّا أبى الله له أن يُجبرا              مثل الذى لأُمها أو أكبرا
ثم حملت حملا آخر، فدخل عليها وهى فى الطلق، وكانت تُسمى ربابا فقال :
أيا ربابى طَرِّقى بخير                  وطَرِّقى بُخصية وأيْرِ
                    ولا تُرينا طَرَفَ البُظَيْرِ
ثم ولدت له أخرى، فهجر فراشها وكان يأتى جارة لها، فقالت فيه وكان يُكنى أبا حمزة :
ما لأبى حَمْزة لا يأتينا              يَظَلَّ فى البيت الذى يَلينا
غَضبان أن لا نَلِدَ البنينا             و إنما نأخذ ما أُعْطِينا
              فألاَنهُ قَولُها، ورجع إليها )(39)
لقد أفحمته الزوج برقتها وعقلانيتها، لمناشدة البعد الأنسانى فيه، فهاهو ذا يضاجع امرأة أخرى، جارة لهم هاجرا زوجته بغير ذنب بعد أن شهر بها وبذوء فى ذكر اعضائها الجنسية، والجريمة الوحيدة هى تحطم حلمه فى الولد الذكر الذى سيخوض عنه الحروب ويدفع الأعداء، وإذا كان الحلم قد تحطم فليس رحم المرأة مسئولا عنه، حتى ولو لم يكن الانجاب فتاة ؛ بل عنزة أوقردا.
وقد يُعير الرجل زوجته بسبب واهن آخر لا ذنب لها فيه.. إنه الدهر إذا كان للدهر ذنب، فهاهوذا يعيرها بالسن والشيخوخة، وكأنه ينتظر منها أن تجمد على حالة الشباب والبضاضة بينما يشيخ هو ويساير الزمن وكأن الزمن صديقا له لن يترك علامات " الخنشرة " والهِرم عليه وقد (هجا أعرابى امرأته، فقال :
يابكر حواء من الأولاد                  وأم آلاف من العباد
عمرك ممدود إلى التنادى              فحدثينا بحديث عاد
والعهد من فرعون ذى الأوتاد         يا أقدمَ العالم فى البلاد
                    أنى من شخصك فى جهاد )(40)
فماذا هى فاعلة فى يد الزمان الراسمة غضونها على الملامح، ويبدو أن هذا الأعرابى لم يعثر فى زوجته على عيب سوى العمر فراح يكرر فى أبياته الثلاثة الفكرة ذاتها، وكان يكفينا منها جميعا بيت واحد، ويبدو كذلك انه تدارك تكراره وفراغ ذهنه فأطلق تعبيرا اخيرا غير محدد الملامح والدوافع، حين قال: " أنى من شخصك فى جهاد "فلم يقنع سامعيه وقارئيه؛ بوجاهة حجته.. ولم يشاركوه الكراهة لزوجته.
وهذا أعرابى آخر يفسر موقف الأعرابى السابق، فقد تزوج من امرأة ( فطالت صحبتها له فتغير لها، وقد طعنت فى السن فقالت له : ألم تكن تُرضى إذا غضبت، وتُعتِب إذا عَتبت، وتشفق إذا أبيت، فما بالك الآن ؟
قال : ذهب الذى كان يُصلح بيننا )(41)
السبب الأوحد فى موقف الزوج : الرجل هو انه قد ذهب ما كان يُصلح بينهما أى جمالُها وصباها، كأنه قد عمى عن انفتال شبابه من بين يديه أيضا.
على أن أعرابى آخر ربط بين السن وسوء الخلق والعقم فى  زوجته حينما قال :
(أشكو إلى الله عيال دردقا            مُقرقمين وعجوزا شملقا )(42)
ومثار العجب هنا أن سوء الخلق هذا وجفاف الرحم؛ لم يبدو للشاعر إلا بعد أن أسنت الزوج، كما أن ذكره العيال يعنى أنها منجبةٌ فعلا، لكنه يريدها سماء ممطرة ابدا بالأطفال.
    وفى كل حال نرى المرأة لدى بعض الشعراء مغضوبا عليها، فإن هى رفضت الرجل زوجا؛ شتمها بأقذع مافى خزائن اللغة، وإن تزوجته هجا فيها مالا يُهجى من سنٍ ونوع الوليد، وأخيرا ينتهى به المطاف إلى شتمها أيضا فى حالة ثالثة وهى حالة الطلاق فقال ( أبو عبيدة : طلق رجل امرأته وقال فى ذلك :
لقد طلقتُ أخت بنى غلاب         طلاقا ما أظن له ارتداد
ولم أك كلمُعدَّل أو أويس           إذا ما طلقا ندما فعادا )(43)
تسود حالة ارتياح هنا، وكأنه قد اطلق صراحه من معتقل أبو غريب، وتصريح هذا الأعرابى  بالسعادة لطلاق زوجته لا تحتمله أرض ولا سماء؛ انها الغُل الذى لا عبودية بعده فهو يقول:

(ظعنت أُمامة بالطلاق            ونجوت من غُل الوثاق
بانت فلم يألم لها                   قلبى ولم تَدمع مآقى
ودواء مالا تشتهيه                   النفس تعجيل الفراق
والعيش ليس يطيب بين           أثنين من غير اتفاق
ولو لم أُرح بفراقها               لأرحت نفسى بالإباق )(44)
والوهم ربما دفع الرجل لارتكاب هذه الفعلة، حتى ولو كان فى حكمة المغيرة ورجاحة عقله فقد رأى ( امرأة له تَخَلَّل بعد صلاة الصبح، فطلقها. فقالت : علام طلقنى ؟ قيل : رآك تَخَللَّين، فظن أنك أكلت. فقالت : أبعده الله ! والله ما أتخلل إلا من السواك )(54)
وهذا سببٌ يبدو وجيها، وإن كان غير صحيح، لكن اسباب أخرى تدفع الزوج لفصم حياته عن نصفه الآخر وهى الافتراء بعينه فقد ( كانت عند الأعشى امرأة من قومه يقال لها أم الجلال، فطالت مدتها معه وأبغضها، ثم خطب امرأة من قومه يقال لها جَزْلة – وقال الأصمعى : خولة – فقالت له: لاحتى تُطلق أم الجلال، فطلقها، وقال فى ذلك :
تقادَم وُدّكِ أمَّ الجَلال             فطاشت نبالُك عند النضال
وطال لزومُك لى حِقبة           فَرثّتْ قُوىَ الحبل بعد الوِصال
وكان الفؤاد مُعجبا               فقد أصبح اليومَ عن ذاك سالى)(46)
فالسبب هنا الامتثال لأمر امرأة أخرى لا لعيب فى امرأته، وهو لم يطلقها فقط بل أطلق شعره فيها؛ ولذا فقد ردت عليه أم الجلال (بئس والله بعلُ الحُرة وقرينُ الزوجة المسلمة أنت! ويحك! أعددت طول الصحبة والحرمة ذئبا تسبنى وتهجونى به! ثم دعت عليه أن يُبغضه الله إلى زوجته التى اختارها، وفارقته، فلما انتقلت إلى أهلها، وصارت جزلة إليه، ودخل بها لم يحظ عندها، ففركته وتنكرت له واشتد شغفه بها )(47)
لقد اصابته لعنة الزوجة المظلومة، وتحققت امنياتها بألا ينعم بالزوج الجديدة، وأن يعانى نزف الفراق ويسقط فى هوة القطيعة؛ كما أسقطها.
فماذا عن أمنيته هو – أى الزوج المفترى – لزوجته ؟! هناك بيتان شهيران يرددهما كل زوج على مانظن علنا أو سرا يقول فيهما الشاعر:
(لقد كنتُ محتاجا إلى موتِ زوجتى    ولكن قرينُ السوء باقٍ مُعمَّرُ
فياليتها صارت إلى القبر عاجلا           وعذبها فيه نكيرا ومُنكرَ)(48)
موتها لا يكفيه، هو يريد لها العذاب فى الحياة الأخرى، ولو انه كان يملك أن يقيم لها الجحيم فى الدنيا ويخلدها فيه لفعل !!
انها انماط من افتراءات الرجل ضد المرأة الزوج، وبدا لنا أن أكبر دوافعها علاقة الذكر بالأنثى، لا الأنسان بالأنسان، فالمرأة إذا شاخت تصخرت أنوثتها؛فكرهها الرجل، وتمنى لها الموت فى الدنيا و الجحيم فى الآخرة، وإذا هى انجبت انثى؛ تحطم حلمه فى الذكر الوارث والمحارب وحامل الاسم. وإذا رأينا أن الرجل ظالم فى هذه الحالات القليلة، فهل يكون مظلوما فى حالات أخرى، هذا ما تستفيض بقية الفصول فى سرده.