الزوجات لماذا ؟!

الزوجات لماذا ؟!
   ربما  بَنى سيل هجاء الزوجات على مفارقة فحواها أن الزوجة – نظرياً – لباس لزوجها وهى سكن له إذا حاصرته أعاصير الحياة، وسلمٌ له إذا حاربته الدنيا.. لكن الواقع المعيش قد يصدم الزوج الشاعر بغير هذه المفاهيم النظرية التى حبذها العرف وحض عليها الدين فتأتى صدمة الزوج الشاعر كمن يحلم بالجنة فيقذف فى النار.
ولذا فقد شاعت نصائح التحذير من خبث الزوجة وسوء منقلبها وفى رواية لمحمد بن عبد السلام الخُشنى قال:(إياك وكل امرأة مذكرة منكرة، حديدة العرقوب، بادية الظنبوب، منتفخة الوريد، كلامها وعيد، وصوتها شديد، تدفن الحسنات، وتُفشى السيئات، تُعين الزمان على بعلها ولا تُعين بعلها على الزمان، ليس فى قلبها له رأفة، ولا عليها منه مخافة، إن دخل خرجت، وإن خرج دخلت، وإن ضحك بكت، وإن بكى ضحكت، وإن طلقها كانت حريبته، وإن أمسكها كانت مصيبته، سفعاء ورهاء، كثيرة الدعاء، قليلة الإعاء، تأكل لمّا وتوسع ذما، صخوب غضوب، بذية دنية، ليس تُطفأ نارها، ولا يهدأ إعصارها، إذا حدثت تشير بالأصابع، وتبكى فى المجامع، باديةٌ فى حجابها، نياحة على بابها، تبكى وهى ظالمة وتشهد وهى غائبة، قدذل لسانها بالزور وسال دمها بالفجور)(29) .
لم يترك محمد بن عبد السلام الخُشنى صفة من صفاتالخسة والدناءة والقبح إلا أوردها فى هذة الزوجة المتخيلة، حتى أننا كرهناها وهى معدومة الوجود تقريبا أو أن وجودها ذهنى فقط، فهى مصحوبة بكل احتقار وقبح ودناءة، منذ منذ أن يلتقى بها الرجل الزوج.. حتى يتزوجها ثم يعيش معها وتعيش معه، ثم تنجب ويمتد منها هذه الصفات إلى ابنائها، فيبدو الأبن مهزولا فى زمن الصراع والمجالادة حينذاك. ونصيحة الخُشنى هذه تحمل وراءها تحريضا على العزوبية واتقاء الجحيم الفاغر فاه لكل من يقع فيه – اى الزواج – لأنها قارعة الدنيا والآخرة.
هناك رأى آخر يقول:( وراء كل مصيبة كبرى امرأة.. حكمة من تأليفى !! تذكرنا بمقولة: وراء كل عظيم امرأة.. وكلتا الحكمتين سهلة السياق، قابلة للتصديق والتكذيب معا.. فوقائع الحياة تحمل للمقولتين التأييد والنفى.. لكن مالا ينفى وجود خيط سميك بينهما.. فقد تكون وراء الرجل العظيم امرأة فعلا، تدفعه إلى المصائب والجرائم الكبرى فى تاريخ البشرية)(30) .
والكاتب هنا لم يكتفى بأن وراء كل مصيبة امرأة ولكنه حددها بأنها لابد أن تكون كبرى.. وهى من نوع الجرائم الكبرى فى تاريخ البشرية، وكأنه لا يليق بالمرأة إلا المصائب الكبرى.. والحقيقة إن إطلاقها كحكمة  هو المصيبة الكبرى، فمعنى هذا أنه لاتوجد امرأة واحدة صالحة لدفع رجل للرقى والعظمة.. ومن المرجح أن المقصود أن المرأة هنا هى الزوجة على وجه التحديد.ويبدو أن هناك آراء أخرى تدعم ذلك القول، فقد ( قال الأصمعى : حدثنى ابن أبى الزناد عن عُروة بن الزبير قال: ما رفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله بمثل منكح صدق، ولا وضع أحد نفسه بعد الكفر بالله بمثل منكح سوء ثم قال: لعن الله فلانة، ألِِفت بنى فلان بيضا طوالاً فقلبتهم سودا قصارا) (31)
لا يقع إنسان من إنسان موقع المرأة من زوجها فهى قد ترفعه بعد الإيمان بالله كما يرى عُروة بن الزبير كما لم يُرفع أحد، وقد تحطه ولا أدنى منه إلا الكافرنفسه، هى نظرة ترتبط بالقداسة والعقيدة، لا العلاقة الجسدية والنفسية التى تحدث عنها الخُشنى.. لكن ابن الزبير يميل فى رؤيته إلى شئ من الخفة والروح " الكاريكاتيرية" حين يذكر أن المرأة الزوجة قد تمسك زوجها وأهليه فإذا بياضهم سواد وطولهم قصر.. فهل من مهرب فى هذه العلاقة؟ ربما لو دققنا لو دققنا فى مفاهيمنا الحديثة عن هذه العلاقة بين الرجل وزوجته لوجدنا شيئا من  الصحة – وإن كان شيئا قليلا- حينما يقال أن المرأة "تصبغ" على زوجها و"يصبغ" عليها بعد زمن من العشرة الطويلة أى أن ملامحهما تتقارب، وإن كنا لا نستطيع اثبات ذلك علميا وقد يعود ذلك الشبه إلى البداية عند الأختيار فكلا الزوجين يختار زوجه من الأشباه التى لها علاقة بشبه يرغبه وغالبا ما يكون هذا الشبه يلائم أهله ومع مرور الوقت يظهر نوع من الشبه الإجمالى للملامح.. أما الملامح التفصيلية قد تختلف، ويأتى هذا الشبه من توافق الفكر والسلوك الذى يضفى روح واحدة للزوجين، هى علاقة إذن بالمفاهيم المثالية ينبغى ألا تشوبها شائبة ونرى الوجه الشعرى الأمثل لها فى هذه الأبيات:
(بعث امرؤ لأبى عزيزة مرة         برسالة يُبكى ويُضحك ما بها
فيها يقول أريد منك صبية            حسناء معروف لديكم أصلها
وأديبة ولطيفة وعفيفة                 وحليمة ورزينة فى عقلها
 قد أحرزت فى العلم غير شهادة    وعلى النسا طراً تفوق بفضلها
وتكون أيضاً ذات مال وافر      تعطيه من بعد الزواج لبعلها
وأريد منها أن تكون مطيعة           أمرى فتتبعنى وتهجر أهلها) (32)
وتبدو المفارقة أو انهيار الحلم فى رد أبى عزيزة على هذا الخاطب الواهم :
(وافى كتابك سيدى فقرأته            وعرفت هاتيك المطالب كلها
لو كنت أقدر أن أرى من تشتهى     طلقت أم عزيزة وأخذتها)(33)
فما دواعى الحلم المحبط فى المرأة وأسباب هذه الهواجس من الزوجة؟!! أهى كائن خارج السيطرة ؟ أهى إنسان لا خلاق له ؟! أهى حانثة فى قسمها وطبعها ؟! أهى فاقدة للوفاء بفطرتها ؟! أهى مدفوعة إلى الغريزة فوق أى دافع وقبل أى دافع ؟! لنرى نموزجاً أعلى أخلاقيا واجتماعيا ودينيا من النساء متجسدا فى الشريفة بنت الأشراف وسليلة بيت النبوة فاطمة بنت الحسين، فقد روى الزبير بن بكارقال:( كان الحسن بن الحسن خطب إلى عمه الحسين بن على، فقال له الحسين: يا بن أخى، قد انتظرت هذا منك انطلق معى.فخرج به حتى أدخله منزله، ثم أخرج إليه ابنتيه فاطمة وسكينة رضى الله عنهما، فقال : اختر. فاختار فاطمة فزوجه إياها، فكان يقال : فلما حضرت الحسن الوفاة، قال لفاطمة: إنك امرأة مرغوبٌ فيك،فكأنى بعبد الله بن عمرو ابن عثمان، إذا خُرج بجنازتى قد جاء على فرس مرجّلا جبينه لابسا حلته يسير فى جانب الناس يتعرض لك، فانكحى من شئت سواه، فإنى لا أدع من الدنيا ورائى هماً غيرك. فقالت له : آمن على ذلك. وأثلجته باأيمان من العتق والصدقة لا تتزوجه. ومات الحسن بن الحسن، وخُرج بجنازته، فوافاه عبداللهبن عمروبن عثمان فى الحال التى وصَف الحسنُ، وكان يقال لعبد الله بن عمرو بن عثمان: المُطّرَفَ، من حسنه، فنظر إلى فاطمة حاسرة تضرب وجهها، فأرسل إليها : إن لنا فى وجهك حاجة فأرفقى به. فاسترخَتْ يداها، وعُرف ذلك فيها، وخمرت وجهها، فلما حَلّت، أرسل إليها فخطبها، فقالت : كيف يمينى التى حلفتُ بها ؟ قال : فأرسل إليها مكان كل مملوك مملوكين، ومكان كل شئ فعوضها مِنْ يمينها، فنكحته،فولدت له محمدا الديباج والقاسم)(34)
لن نتوقف عند الحبكة القصصية لهذه الواقعة التاريخية من مقدمة وتشويق وعقدة وحل وحدث وتطور يجرى عبر شخوص بعينها تبدو ملامحها الظاهرة والباطنة إلى حد كبير.. لكنا نتوقف عند مثالب الزوجة التى لايتوقعها أحد فيها خاصة أنها ليست ككل الزوجات، لكن الطريف أن الزوج نفسه "الحسن" كأنه كان يقرأ الغيب :غيب نفسها، فنهاها عن ابن عثمان ولم تنتهى، فكأنه به آمرها، وحذرها من عُجبه فانخدعت به، ثم انها غير هذا راحت تلطم وجهها كاشفة اياها للمتأملين وكانت فى لحظة اللطم نفسها "على خط ساخن مع الزوج القادم" ولما يبرد جسد الزوج الراحل بعد، وليس هنا للقسم شأن ولا خوف لديها من الحنث فى اليمين. أبعد هذا جميعا لو عاد الحسن ابن الحسن إلى الحياة أما كان أول فعله فيها أن يهجو هذه الزوج كأضعف الأيمان، لكن بعض الشعراء كفو الشريف الراحل هذا الهم وهو يقول : "أنى لا أدع من الدنيا ورائى هماً غيرك" فهجا هؤلاء الشعراء زوجاتهم نيابة عن الحسن ونيابة عن كل رجل كالحسن وهم مدفعون جميعا بالثقة فى عدالة قضيتهم وفى خسة زوجاتهم !!